الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (15): {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)}{ذُو العرش} أي صاحبه والمراد مالكه أو خالقه وهو أعظم المخلوقات وعن علي كرم الله تعالى وجهه لو جمعت مياه الدنيا ومسح بها سطح العرش الذي يلينا لما استوعب منه إلا قليل وجاء في الأخبار من عطمه ما يبهر العقول وقال القفال ذو العرش ذو الملك والسلطان كأنه جعل العرش عنى الملك بطريق الكناية والتجوز وجوز أن يبقى العرش على حقيقته ويراد بذي العرش الملك لأن ذا العرش لا يكون إلا ملكًا وقرأ ابن عامر في رواية ذي العرش بالياء على أنه صفة {لربك} وحينئذ يكون قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ} [البروج: 13] إلخ جملة معترضة لا يضر الفصل بها بين الصفة وا الموصوف وكذا لا يضر الفصل بينهما بخبر المبتدأ لأنه ليس بأجنبي فإن الموصوف هنا من تتمة المبتدأ وقد قال ابن مالك في التسهيل يجوز الفصل بين التابع والمتبوع بما لا يتمحض مباينته نعم قال ابن الحاجب الفصل بين الصفة والموصوفة بخبر المبتدأ شاذ كما في قوله:{الْمَجِيدِ} العظيم في ذاته عز وجل وصفاته سبحانه فإنه تعالى شأنه واجب الوجود تام القدرة كامل الحكمة وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن وثاب والأعمش والمفضل عن عاصم والأخوان المجيد بالجر صفة للعرش ومجده علوه وعظمته وحسن صورته وتركيبه فإنه قيل العرش أحسن الأجسام صورة وتركيبًا وليس من مجده كون الحوادث الكونية بتوسط أوضاعه كما يزعمه المنجمون فإن ذلك باطل شرعًا وعقلًا على ما تقتضيه أصولهم وجاز على قراءة ذي العرش بالياء أن يكون صفة لذي وجوز كونه صفة {لربك} وليس بذاك لأن الأصل عدم الفصل بين التابع والمتبوع فلا يقال به ما لم يتعين. .تفسير الآية رقم (16): {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)}{فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} بحيث لا يتخلف عن إرادته تعالى من أفعاله سبحانه وأفعال غيره عز وجل فما للعموم وفي التنكير من التفخيم ما لا يخفى وفهي رد ظاهر على المعتزلة في قولهم أنه سبحانه وتعالى يريد ايمان الكافر وطاعة العاصي ويتخلفان عن إرادته سبحانه والمرفوعات كلها على ما استحسنه أبو حيان أخبار لهو في قوله تعالى: {هُوَ الغفور} [البروج: 14] وجوز أن يكون الودود وذو العرش والمجيد صفات للغفور ومن لم يجوز تعدد الخبر لمبتدأ واحد يقول بذلك أو بتقدير مبتدآت للمذكورات وأطلق الزمخشري القول بأن فعال خبر لمبتدأ محذوف أي فعال فقال صاحب الكشف إنما لم يحمله على أنه خبر السابق أعني هو في قوله تعالى: {هُوَ الغفور} لأن قوله سبحانه: {فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} تحقيق للصفتين البطش بالأعداء والغفر والود للأولياء ولو حمل عليه لفاتت هذه النكتة اه وهو تدقيق لطيف وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (17): {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)}{هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود} استئناف فيه تقرير لكونه تعالى فعالًا لما يريد وكذا لشدة بطشه سبحانه بالظلمة العصاة والكفرة العتاة وتسلية له صلى الله عليه وسلم بالإشعار بأنه سيصيب كفرة قومه ما أصاب الجنود وهو جمع جند يقال للعسكر اعتبارًا بالغلظة من الجند أي الأرض الغليظة وكذا للأعوان ويقال لصنف من الخلق على حدة وكذا لكل مجتمع والمراد بالجنود هاهنا الجماعات الذين تجندوا على أنبياء الله تعالى عليهم السلام واجتمعوا على ذريتهم..تفسير الآية رقم (18): {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)}{فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} بدل من الجنود بدل كل من كل على حذف مضاف أي جنود فرعون أو على أن يراد بفرعون هو وقومه واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه وقيل البدل هو المجموع لا كل من المتعاطفين وهو خلاف الظاهر وقال السمين يجوز كونه منصوبًا بأعني لأنه لما لم يطابق ماق بله وجب قطعه وتعقب بأنه تفسير للجنود حينئذٍ فيعود الإشكال وأجيب بأن المفسر حينئذٍ المجموع وليس اعتباره مع أعني كاعتباره مع الإبدال والمراد بحديثهم ما صدر عنهم من التمادي في الكفر والضلال وما حل بهم من العذاب والنكال والمعنى قد أتاك حديثهم وعرفت ما فعلوا وما فعل بهم فذكر قومك بأيام الله تعالى وشؤونه سبحانه وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (19): {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)}{بَلِ الذين كَفَرُواْ} أي من قومك {فِى تَكْذِيبٍ} إضراب انتقالي عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم أشد منهم في الكفر والطغيان كما ينبئ عنه العدول عن يكذبون إلى في تكذيب المفيد لإحاطة التكذيب بهم إحاطة الظرف ظروفه أو البحر بالغريق فيه مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه وتهويله فكأنه قيل ليسوا مثلهم بل هم أشد منهم فإنهم غرقى مغمورون في تكذيب عظيم للقرآن الكريم فهم أولى منهم في استحقاق العذاب أو كأنه قيل ليست جنايتهم مجرد عدم التذكر والاتعاظ بما سمعوا من حديثهم بل هم مع ذلك في تكذيب عظيم للقرآن الناطق بذلك وكونه قرآنًا من عند الله تعالى مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (20): {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}{والله مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ} جوز أن يكون اعتراضًا تذييليًا وأن يكون حالًا من الضمير في الجار والمجرور السابق والكلام تمثيل لعدم نجاتهم من بأس الله تعالى بعدم فوت المحاط المحيط كما قال غير واحد وكان المعنى أنه عز وجل عالم بهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه ولا يفوتونه سبحانه وتعالى وذكر عصام الدين أن في ذلك تعريضًا وتوبيخًا للكفار بأنهم نبذوا الله سبحانه وراء ظهورهم وأقبلوا على الهوى والشهوات بكليتهم ولعل ذلك من العدول عن بهم إلى من ورائهم وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (21): {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21)}{بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ} رد لكفرهم وإبطال لتكذيبهم وتحقيق للحق أي بل هو كتاب شريف عالي الطبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى لا يحق تكذيبه والكفر به وقيل إضراب وانتقال عن الأخبار بشدة تكذيبهم وعدم ارعوائهم عنه إلى وصف القرآن للإشارة إلى أنه لا ريب فيه ولا يضره تكذيب هؤلاء والأول أولى وزعم بعضهم أن ازضراب الأول عن قصة فرعون وثمود إلى جميع الكفار والمعنى عليه أن جميع الكفار في تكذيب ولم يكن نبي فارغًا عن تكذيبهم والله تعالى لا يهمل أمرهم وفيه من تسليته صلى الله عليه وسلم ما فيه ويبعده إرداف ذلك بهذا الإضراب وقرأ ابن السميفع قرآن مجيد بالإضافة قال ابن خالويه سمعت ابن الأنباري يقول معناه بل هو قرآن رب مجيد كما قال الشاعر.أي غني رب غفور وقال ابن عطية قرأ اليماني بالإضافة على أن يكون المجيد هو الله تعالى وهو محتمل للتقدير وعدمه وجوز أن يكون من إضافة الموصوف لصفته قال أبو حيان وهذا أولى لتوافق القراءتين. .تفسير الآية رقم (22): {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}{فِى لَوْحٍ} أي كائن في لوح {مَّحْفُوظٍ} أي ذلك اللوح من وصول الشياطين إليه وهذا هو اللوح المحفوظ المشهور وهو على ما روي عن ابن عباس والعهدة على الراوي لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وهو معقود بالعرش وأصله في حجر ملك يقال له ساطريون لله عز وجل فيه في كل يوم ثلثمائة وستون لحظة يحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وأنه كتب في صدره لا إله إلا الله وحده لا شريك له دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة وقال مقاتل إن اللوح المحفوظ عن يمين العرش وجاء فيه أخبار غير ذلك ونحن نؤمن به ولا يلزمنا البحث عن ماهيته وكيفية كتابته ونحو ذلك نعم نقول إن ما يزعمه بعض الناس من أنه جوهر مجرد ليس في حيز وأنه كالمرأة للصور العلمية مخالف لظواهر الشريعة وليس له مستند من كتاب ولا سنة أصلًا وقرأ ابن يعمر وابن السميفع لوح بضم اللام وأصله في اللغة الهواء والمراد به هنا مجازًا ما فوق السماء السابعة وقرأ الأعرج وزيد بن علي وابن محيصن ونافع بخلاف عنه محفوظ بالرفع على أنه صفة لقرآن وفي لوح قيل متعلق به وقيل صفة أخرى لقرآن وتعقب بأن فيه تقديم الصفة المركبة على المفردة وهو خلاف الأصل والمعنى عليه قيل محفوظ بعد التنزيل من التغيير والتبديل والزيادة والنقص كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [الحجر: 9] وقيل محفوظ في ذلك اللوح عن وصول الشياطين إليه والله تعالى أعلم..سورة الطارق: مكية بلا خلاف.وهي سبع عشرة آية على المشهور وفي التيسير ست عشرة ولما ذكر سبحانه فيما قبلها تكذيب الكفار للقرآن نبه تعالى شأنه هنا على حقارة الإنسان ثم استطرد جل وعلا منه إلى وصف القرآن ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بإمهال أولئك المكذبين فقال عز قائلا:بسم الله الرحمن الرحيم.تفسير الآية رقم (1): {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}{والسماء} هي المعروفة على ما عليه الجمهور وقيل المطر هنا وهو أحد استعمالاتها ومنه قوله:ولا يخفى حاله {والطارق} وهو في الأصل اسم فاعل من الطرق عنى الضرب بوقع وشدة يسمع لها صوت ومنه المطرقة والطريق لأن السابلة تطرقها ثم صار في عرف اللغة اسمًا لسالك الطريق لتصور أنه يطرقها بقدمه واشتهر فيه حتى صار حقيقة ثم اختص بالآتي ليلًا لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها ثم اتسع في كل ما يظهر بالليل كائنًا ما كان حتى الصور الخيالية البادية فيه والعرب تصفها بالطروق كما في قوله: والمراد به هاهنا عند الجمهور الكوكب البادي بالليل إما على أنه اسم جنس أو كوكب معهود كما ستعلمه إن شاء الله تعالى وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (2): {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)}{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق} تنويه بشأنه إثر تفخيمه بالإقسام وتنبيه على أن رفعة قدره بحيث لا ينالها إدراك الخلق فلابد من تلقيها من الخلاق العليم فما الأولى مبتدأ وإدراك خبره وما الثانية خبر والطارق مبتدأ على ما اختاره بعض المحققين أي أي شيء أعلمك ما الطارق وقوله سبحانه:.تفسير الآية رقم (3): {النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)}{النجم الثاقب} خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف وقع جوابًا عن استفهام نشأ عما قبل كان قيل ما هو فقيل هو النجم إلخ والثاقب في الأصل الخارق ثم صار عنى المضيء لتصور أنه يثقب الظلام وقد يخص بالنجوم والشهب لذلك وتصور أنها ينفذ ضوءها في الأفلاك ونحوها وقال الفراء: الثاقب المرتفع يقال ثقب الطائر أي ارتفع وعلا والمراد بالنجم الثاقب الجنس عند الحسن فإن لكل كوكب ضوءًا ثاقبًا لا محالة وكذا كل كوكب مرتفع ولا يضر التفاوت في ذلك وذهب غير واحد إلى أن المراد به معهود فعن ابن عباس أنه الجدي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه الثريا وهو الذي تطلق العرب عليه اسم النجم وروي عنه أيضًا أنه زحل وهو أبعد السيارات وأرفعها وما يثقبه ضوؤه من الأفلاك أكثر فيما يزعم المنجمون المتقدمون وإنما قلنا أبعد السيارات لأن الجدي والثريا عندهم أبعد منه بكثير وكذا عند المحدثين وعن الفراء أنه القمر لأنه آية الليل وأشد الكواكب ضوءًا فيه وهو زمان سلطانه وأنت تعلم أن إطلاق النجم عليه ولو موصوفًا غير شائع وقيل هو النجم الذي يقال له كوكب الصبح وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وطارق حين يصعد ولا يخفى أن المعروف أن الذي يسكن السماء السابعة أعني الفلك السابع وحده هو زحل فيكون ذلك قولًا بأن النجم الثاقب هو لكن لا يعرف له نزول ولا صعود بالمعنى المتبادر وأيضًا لا يعقل له نزول إلى حيث تكون النجوم أعني الثوابت لأن المعروف عندهم أنها في الفلك الثامن ويجوز عقلًا أن يكون بعضها في أفلاك فوق ذلك بل نص المحدثون لما قام عندهم على تفاوتها في الارتفاع ولم يشكوا في أن كثيرًا منها أبعد من زحل بعدًا عظيمًا وإذا اعتبرت الظواهر وقلنا بأنها في السماء الدنيا وإن تفاوتت في الارتفاع فلذلك أيضًا مما يأباه أن النجوم قد تأخذ أمكنتها من السماء وليس معها زحل وبالجملة ما يعكر على هذا الخبر كثير وكونه كرم الله تعالى وجهه أراد كوكبًا آخر هذا شأنه لا يخفى حاله والذي يقتضيه الإنصاف وترك التعصب أن الخبر مكذوب على الأمير رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وجوز على إرادة الجنس أن يراد به جنس الشهب التي يرجم بها وليس بذاك وما روي أن أبا طالب كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحط نجم فامتلأ ماء ثم نورًا ففزع أبو طالب فقال: أي شيء هذا فقال عليه الصلاة والسلام:«هذا نجم رمي به وهو آية من آيات الله تعالى» فعجب أبو طالب فنزلت لا يقتضي ذلك على ما لا يخفى وزعم ابن عطية أن المراد بالطارق جميع ما يطرق من الأمور والمخلوقات فيعم النجم الثاقب وغيره ويكون معنى وما أدراك ما الطارق حق الطارق بأن تكون أل في ما الطارق مثلها في أنت الرجل وما أدري ما الطارق على هذا الرجل حتى ركب هذا الطريق الوعر في التفسير وفي إيراد ذلك عند الإقسام به بوصف مشترك بينه وبين غيره ثم الإشارة إلى أن ذلك الوصف غير كاشف عن كنه أمره وأن ذلك مما لا يبغله أفكار الخلائق ثم تفسيره بالنجم الثاقب من تفخيم شأنه وإجلال محله ما لا يخفى على ذي نظر ثاقب ولإرادة ذلك لم يقل ابتداء والنجم الثاقب مع أنه أخصر وأظهر ولله عز وجل أن يفخم شأن ما شاء من خلقه لما شاء ولا دلالة فيه هاهنا على شيء مما يزعمه المنجمون في أمر النجوم زحل وغيره من التأثير في سعادة أو شقاوة أو نحوهما وجواب القسم قوله تعالى:
|